المنهج الوصفي “تحليل المحتوى”

  • مفهوم تحليل المحتوى.

يشبه أسلوب تحليل المحتوى البحث الوثائقي من حيث وحدة مصدر المعلومات، فالمعلومات فيهما تستخرج من مصدر واحد هو “الوثائق بمفهومها العام”، ولكنهما يختلفان في أسلوب التحليل مما جعل منهما طريقتان للبحث مختلفتين. ففي البحث الوثائقي يتم تحليل كيفياً، ويعتمد على استنباط الأدلة والبراهين من الوثائق، بينما في تحليل المحتوى يتم التحليل كمياً، ويعتمد على التكميم أي الحصر العددي لوحدة التحليل المختارة.

 

ولهذا فتحليل المحتوى – كما عرفه بيرلسون (1952) – “عبارة عن طريقة بحث يتم تطبيقها من أجل الوصول إلى وصف كمى هادف ومنظم لمحتوى أسلوب الاتصال”.

 

يعد هذا التعريف من أشمل التعريفات التي عُرف بها تحليل المحتوى لإنه يؤكد الخصائص التالية:

 

  • إن تحليل المحتوى لا يجري بغرض الحصر الكمي لوحدة التحليل فقط، وإنما يتعداه لمحاولة تحقيق هدف معين، وهذا ما عبر عنه بالتعريف بكلمة (هادف).

 

  • إن تحليل المحتوى يقتصر على وصف الظاهر، وما قاله الإنسان أو كتبه صراحة فقط دون اللجؤ إلى تأويله. وأشير إلى هذا بالتعريف بكلمتي (وصف كمي).

 

  • إنه لم يحدد أسلوب اتصال دون غيره، ولكن – كما أكد بورق وقول (1979) – يمكن للباحث أن يطبق تحليل المحتوى على أي مادة اتصال مكتوبة أو مصورة، دواوين شعرية أو صحف ومجلات، إعلانات أو خطب، كتب أو سجلات،… إلخ.

 

  • إن تحليل المحتوى يعتمد على الرصد التكراري المنظم لوحده التحليل المختارة سواء أكانت كلمة أو موضوع، أو مفردة، أو شخصية، أو وحدة قياس أو زمن.

 

 

 

وإتصاف تحليل المحتوى بصفة التكميم هذه جعل بعض علماء المنهجية لا يعدونه طريقة من طرق المنهج الوصفي، وإنما يرون أنه أسلوب للتحليل.

 

إلا أن اتصاف تحليل المحتوى بخصائص تختلف عما في الأنواع الأخرى وجعل منه طريقة منفصلة، ونوع آخر من أنواع البحوث في المنهج الوصفي يمكن تطبيقها وحدها في عدد كبير من البحوث لتحقق أغراض لا تحققها الأنواع الأخرى للمنهج الوصفي.

 

وواضح من هذا المفهوم، أن تحليل المحتوى ينبثق أساساً في حقيقته من مبدأ أن هناك جوانب متعددة لسلوك الإنسان لا يمكن معرفتها وتحديدها بواسطة إستجوابه، وإنما بواسطة ما يكتبه أو يرسمه، أو يقوله. وهذا ما جعل بورق وقول (1979) أيضاً يعدانه من بين الدراسات التي تعتمد على الملاحظة.

 

أمثلة لتطبيق تحليل المحتوى:

  • تحليل محتوى دفاتر الإعارة من المكتبات المدرسية في المرحلة المتوسطة لمعرفة مجال القراءة المرغوية لدى طلاب المرحلة المتوسطة.

 

  • تحليل محتوى عدد من الصحف المحلية لعدد من السنوات لمعرفة مدى الاهتمام بقضية من القضايا من خلال ما يُطرح في الصحيفة من آراء ووجهات نظر.. إلخ.

 

  • تحليل محتوى كتاب مدرسي لمعرفة مدى تكرار عدد من المفاهيم الواردة فيه، وهل يتناسق ذلك مع أهميتها أم لا؟

 

  • متى يطبق تحليل المحتوى؟

تحليل المحتوى يعتمد أساساً على التكميم أي الأسلوب الكمي في التحليل، ولكنه يطبق لتحقيق أغراض مختلفة هي:

 

 

 

 

الوصف الكمي للظاهرة المدروسة: كأن يكون الهدف من البحث الوصف من خلال الرصد التكراري لوحدة التحليل المختارة.

 

المقارنة: كأن تجري الدراسة بغرض مقارنة مدى تكرار ظاهرة معينة بظاهرة أخرى. فمثلاً قد يكون الهدف من البحث معرفة مدى اهتمام طلال المرحلة المتوسطة بقراءة الكتب العلمية بالمقارنة إلى مدى اهتمامهم بقراءة الكتب الأدبية من خلال الحصر التكراري لسجلات الإعارة من المكتبات المدرسية.

 

التقويم: فقد يجري الباحث دراسة تهدف للوصول إلى إصدار حكم معين على الاتجاه الغالب حول قضية معينة في مصدر المعلومات، كأن يكون صحيفة يومية.

 

فمثلاً، قد يهدف الباحث من خلال الحصر الكمي لوحدة التحليل لمعرفة الاتجاه الغالب حول قضية (الشعر الشعبي) مثلاً، وهل الاتجاه العام يؤيد، أو يعارض، أم هو محايد.

 

  • كيف يطبق تحليل المحتوى؟

تحليل المحتوى يشبه غيره من طرق البحث المختلفة من حيث الخطوات الأساسية للتطبيق، فيتطلب.

 

أولاً: توضيح ماهية المشكلة بعناصرها المختلفة، التي سبق تفصيلها في الفصل الأول من الباب الأول في هذا الكتاب.

 

ثانياً: مراجعة الدراسات السابقة: بالكيفية التي وردت مفصلة في الفصل الثاني من الباب الأول في هذا الكتاب.

 

ثالثاً: كيفية تصميم البحث وتحديد خطواته الإجرائية. وتحليل المحتوى يتم تصميمه عبر الخطوات التالية:

 

 

 

 

  • تحديد مجتمع البحث الكلي: أي مواد الاتصال التي سوف يطبق عليها البحث. كأن يكون صحيفة أو مجموعة صحف، أو كتب، أو خطب، أو برامج إذاعية أو تلفزيونية، أو دفاتر الإعارة من المكتبات المدرسية… إلخ.

 

وقد عرف عبد الحميد (1404هـ) المجتمع الكلي في بحوث التحليل “بمجموع المصادر التي نشر أو أذيع فيها المحتوى المراد دراسته خلال الإطار الزمني للبحث”.

 

  • اختيار عينة ممثلة لمجتمع البحث بواسطة تطبيق إحدى طرق اختيار العينة التي سبق تفصيلها في الفصل الثالث من الباب الأول في هذا الكتاب. وهذا عندما يوجد المحتوى بمجتمع وثائقي كبير ويصعب تطبيق البحث عليه. كأن يهدف الباحث إلى تحليل محتوى صحيفة يومية خلال خمس سنوات مثلاً. فهنا يصعب على الباحث مراجعة (1800 عدد) التي صدرت خلال السنوات الخمس مما يضطره إلى اختيار عينة للأيام، أو للأعداد… إلخ. أما إذا كان المحتوى يمكن مراجعته وحصره حصراً كمياً في الوقت المخصص للبحث فلا حاجة حينئذ لاختيار العينة.

 

  • جمع وتحليل المعلومات: وذلك باتباع الخطوات التالية:

 

 

1- تصنيف المحتويات المبحوثة:

طبقاً لنظان تصنيف يختاره الباحث ويتلائم مع مشكلة البحث وتساؤلاته. ويعد التصنيف – كما ذكر كرلينجر (1973) – أهم خطوة في تحليل المحتوى لإنه عبارة عن إنعكاس مباشرة للمشكلة المراد دراستها.

ومن الأمثلة على التصنيف. أن تصنف محتويات دفاتر الإعارة من المكتبات المدرسية إلى كتب أدبية وكتب علمية، أو كتب تاريخية وكتب جغرافية، أو كتب ومجلات… إلخ.

 

ومن الواضح أنه ليس هناك تحديد للتصنيف، فقد يكتفي بصنف واحد أو بصنفين، أو بأكثر من ذلك طبقاً لطبيعة المشكلة المدروسة.

 

 

ونظراً لأهمية التصنيف في تحليل المحتوى، فقد عدد علماء المنهجية عدداً من الأسس التي ينبغي أن تبنى عليها معايير التصنيف وفئاته. ومن ذلك ما أوده عبد الحميد (1404هـ) بقوله “ويمكن تحديد معايير التصنيف من خلال المعارف الآتية أو أحدها”.

  • الإطار النظري لمشكلة البحث.
  • حدود ما يثيره البحث من تسآؤلات، أو فروض علمية.
  • إطار النتائج المستهدفة من البحث.

 

وضرب مثالاً لذلك بالدراسة التحليلة لوضوعات الشؤون العسكرية في الصحافة المصرية من (1967م – 1973م) التي تقوم على ثلاثة أسئلة، كل سؤال يحدد معياراً للتصنيف.

 

فالسؤال الأول:

ما هي المجالات الجغرافية التي تقوم الصحف بتغطية وقائعها العسكرية؟

 

وهذا بفرض على الباحث اختيار المعيار الإقليمي في تصنيف الموضوعات إلى محلية – قومية – عالمية – معادية، طبقاً لإقليم القوات الذي يتم النشر عنه.

 

والسؤال الثاني:

ما هي الأدوار التي تقوم بها أقسام الشئون العسكرية في زمن الحرب (الإطار الزمني للدراسة)؟

وهذا يفرض اختيار المعيار الوظيفي في تصنيف الموضوعات إلى موضوعات تؤدي وظيفة الإعلام – الشرح – التفسير – الثقافة العسكرية – نشر القصص البطولية – التاريخ العسكري.

 

والسؤال الثالث:

ما هو الشكل الذي يتم به عرض (نشر) الموضوع من خلاله؟

وهنا يتخذ المعيار الفني في تحرير الموضوعات أساساً في تصنيف الأشكال إلى بيان – خبر- قصة خبرية – مقال – حديث فردي – حديث جماعة – صورة كاريكاتير.

 

 

 

وواضح أيضاً أن تحديد معيار التصنيف وفئاته من مقتضيات طبيعة المشكلة، إلا أن هناك شروط عامة أوردها علماء المنهجية لابد من توافرها في فئات التصنيف ومنها:

  • أن تكون الفئات مستقلة بمعنى، ألا تقبل المادة المصنفة تحت أي منها التصنيف تحت غيرها.
  • أن تكون الفئات شاملة. وهذا يعني بناء الفئات بحيث نجد لكل مادة في المحتوى فئة تصنف في إطارها.
  • أن تكون الفئات وافية باحتياجات الدراسة وأهدافها.

 

2- تحديد وحدات التحليل Units of analysis

عدد بيرلسون [في كارلينجر 1973] خمس وحدات أساسية للتحليل هي [الكلمة، الموضوع، الشخصية، المفردة، الوحدة القياسية أو الزمنية].

 

  • الكلمة: كأن يقوم الباحث بحصر كمي للفظ معين له دلالته الفكرية، أو السياسية، أو التربوية… إلخ، ومقدار تكراره في صحيفة واحدة أو في عدد من الصحف مثلاً.

 

  • الموضوع: وهو إما جملة أو أكثر تؤكد مفهوماً معيناً سياسياً أو اجتماعياً أو تربوياً أو اقتصادياً… إلخ. فمثلاً قد يهدف الباحث لمعرفة مدى تأكيد الطالب الجامعي لذاته من خلال مشاركته في صحيفة الجامعة فيقوم بحصر كمي لكل جملة أو أكثر يوردها الطالب وفيها تأكيد على (أنا) أو (حقي) أو (متطلباتي)… أو أي كلمة مشابهة تهدف إلى تأكيد الذات.

 

  • الشخصية: ويقصد بها الحصر الكمي لخصائص وسمات محددة ترسم شخصية معينة سواء أكانت تلك الشخصية شخصاً بعينة أو فئة من النالس، أو مجتمع من المجتمعات. وذلك لتحقيق غرض معين.

 

وقد فرَّق عبد الحميد (1404هـ) بين أسلوبين يمكن بهما استخدام الشخصية وحدة للتحليل؛ الأسلوب المباشر، والأسلوب غير المباشر.

 

 

 

 

– الأسلوب المباشر: حيث يقوم الباحث فيه بحصر كمي للسمات المميزة التي تصف الشخصية المعلنة في المصدر. كأن يقوم الباحث بحصر ما يتناول المنزلة الاجتماعية للمدرس ذاته وليس للتدريس كمهنة.

 

– الأسلوب غير المباشر: فيقوم الباحث فيه بحصر كمي للسمات المميزة التي تصف الشخصية غير المعلنة في المصدر. كأن يقوم الباحث بدراسة صورة المدرس بواسطة ذم أو مدح مهنة التدريس، أو مقارنة مهنة التدريس بالمهن الأخرى.

 

  • المفردة: وهي “الوحدة التي يستخدمها المصدر في نقل المعاني والأفكار.. ومن أمثلتها الكتاب، الفيلم، الخبر، المقال، الكاريكاتير.. إلخ”. فالكتاب المعار يعد مفردة عند تحليل محتوى دفترالإعارة من المكتبة المدرسية مثلاً.

 

  • الوحدة القياسية: أو الزمنية. كأن يقوم الباحث بحصر كمي لطول المقال، أو عدد صفحاته، أو مقاطعه، أو حصر كمي لمدة النقاش فيه عبر وسائل الأعلام المسموعة أو المرئية.

 

وواضح أن هذه الوحدة – كما أكد كرلينجر (1973) وغيره من علماء المنهجية – غير ذات جدوى كبيرة في البحث في العلوم السلوكية لإن دلالتها العلمية قليلة.

 

ومما يجب التأكيد عليه هنا أن تعدد وحدات التحليل لا يعني بالضرورة التعامل مع كل واحدة منها على إنها منفصلة تماماً عن الأخرى ولا يجوز الجمع بين وحدتين أو أكثر. ولكن الذي يحدد الاقتصار على واحدة منها أو أكثر. طبيعة المشكلة والهدف من البحث.

 

3- تصميم  استمارة التحليل:

وهي الاستمارة التي يصممها الباحث ليُفَرغَ فيها محتوى كل مصدر – في حال تعدادها – بحيث تنتهي علاقته بعد ذلك بمصدر ذلك المحتوى. وتحتوي استمارة التحليل على الأقسام التالية:

 

 

 

  • البيانات الأولية: الخاصة بوثيقة التحليل كأسم الصحيفة، ونوعها، والسنة أو السنوات التي طبقت فيها الدراسة… إلخ.
  • فئات المحتوى.
  • وحدات التحليل.
  • الملاحظات.

 

واستمارة التحليل أشبه ما تكون ببطاقة تسجيل المعلومات التي يصممها الباحث لتسجيل المعلومات من كل دراسة سابقة على حدة.

 

4- تصميم جداول التفريغ:

وهي تتعدد بتعدد تساؤلات البحث أو أهدافه ويفرغ فيها الباحث المعلومات من استمارات التحليل تفريغاً كمياً.

 

5- تفريغ محتوى كل وثيقة بالاستمارة الخاصة بها:

ومن ثم تفريغ ما في الاستمارات في جداول التفريغ.

 

  • تطبيق المعالجات الإحصائية اللازمة الوصفية منها والتحليلية.
  • سرد النتائج وتفسيرها.

 

  • المميزات والعيوب.

من أهم مميزات تحليل المحتوى ما يلي:

  • وجود مصدر المعلومة – الصحيفة مثلاً – لدى الباحث، وإمكانية الرجوع له أثناء إجرائه للبحث يُعد من أهم ما يمتاز به أسلوب تحليل المحتوى.

 

  • بواسطة تحليل المحتوى يمكن معرفة اتجاهات وآراء وقيم.. إلخ. وقد لا يمكن الحصول عليها بواسطة الاتصال المباشر بأصحابها.

 

 

 

 

 

  • دواعي تحيز الباحث في تحليل المحتوى أقل منها في طرق البحث الأخرى وذلك بسبب الطبيعة الكمية الظاهرة التي يتصف بها تحليل المحتوى.

 

إلا أنه مع ذلك فهناك بعض العيوب التي تكتنف تطبيق تحليل المحتوى مثل:

  • احتمال التوصل إلى استنتاجات وأحكام خاطئة على الرغم من تأكيد وحدة التحليل لها. فقد يحكم الباحث على الكاتب أوالصحيفة مثلاً بأنها تميل إلى اتجاه دون آخر ولكن الحقيقة غير ذلك. إلا أن وجه القصور هذا ليس خاصاً بتحليل المحتوى، فكل طرق البحث تعاني منه بسبب أن مادة الدراسة هي الإنسان.

 

  • محدودية الوثائق وعدم شمولها مما ينعكس على تعميم النتائج فيما بعد.

 

  • احتمال سوء تطبيق تحليل المحتوى. حيث أنه – ولو بدا سهلاً- يحتاج من الباحث إلى أن يكون واضحاً ودقيقاً – كما تم تفصيله – في تصنيفه لفئات البحث، ومن ثم لتحديده وحدة التحليل التي اختارها تحديداً يستطيع بموجبه أن يميز ما يقع تحتها، وما يخرج عن ذلك. وهذه مهارات قد لا تتوافر في كل باحث.

  • لتنمية مهاراتك وللحصول على دورات مجانية و منح دراسية و شهادات معتمدة يمكنك التسجيل بـ سيرتيفياند

Comments

comments